مذكراتي ومضات تشربها الحزن (2)

إن الأيام لتدول دولتها على عمري الفتي
فيعيش الأيام مسربلة بأرزائها ،
مثقلة بأحزانها ،
إن سره يومٌ منها ساءته أيام ،
وإن أفرحته لحظة أحزنته لحظات ..

ألا أن أيام البلاء على الفتى **** طوال وأيام السرور قصارُ

، لقد أخافتني وعورة الأيام منذ نعومة أظفاري ،
فلم أعرف الدنيا كما يعرفها الكثير من أترابي ،
فقد غلب على طابع عيشها في عمري الصغير آنذاك طابع الخوف والبؤس ،
كنت أعيش الآلام وأرقب المستقبل لأعيش الأحلام !!..

وماذا أُرجِّي من حياةٍ تكَدَّرَت **** ولو قد صفت كانت كأضغاث أحلامِ

كنت أستبق الأيام أنظر إلى الزمن القريب متى سيأتي ، أستعجل الدهر في دورته ..

يمرُ بيَ الهلالُ لهَدْمِ عمري **** وأفرح كلما طلع الهلالُ

لقد حملتُ همَّ الحياة في فترة مبكرة من العمر ،
فعشتها مريرة كئيبة ،
ناضبةً من أفراحها ،
ناضحةً بأتراحها ..

ورغم ذلك كنت حبيباً للأقربين ، معطاءً للآخرين ،..

ومن أولئك الأقربين أمي ..
تلك المرأة التي احتوتني ببأسها وحنانها في آن معا ،
كانت تحمل لي الحب رغم صرامتها معي في الحياة ،
إنها ذلك الكائن العظيم في الإنسانية ،
المتسامق في التضحية ..
عندما أتذكر دعائها لي ..
فكأنما ذلك الدعاء كشعاع شمس الشتاء
عندما تغمرني بالدفء في صقيع دنياي ..


إن الطفولة لم أعشها واقعاً جميلاً في مراتع الطفولة
كما عاشها غيري وكما كنت أحب أن أعيشها آنذاك ،
وإذا تذكرتها تذكرتها آلاماً وأحزاناً ،
عشتها في بعض أحايينها حياة مفعمة باللعب لكنها ممزوجة بالخوف
، مشتتةً بالأحزان ،
مقطعة بالآلام ،
إن تلك الأفراح التي كنت أفرحها بين فينة وأخرى ،
كانت لا تلبث إلا أن توأد في مهدها ،
حتى حملت الحياة بؤساً كئيباً ..
ونفساً أضنَت بها القروح منذ صغر أحلامها الوئيدة ..


ولي كبدٌ مقروحةٌ من يبيعني **** بها كبداً ليست بذاتِ قروحِ


ورغم كل ذلك كانت تلك الفترة رغم ما قلت فيها

ثرة بالعطاء مليئة بالثناء ،
عشت فيها تلك العذابات الممتعة في فترة الطفولة والصبا ..


يا عيشنا المفقود خذ من عمرنا **** عاماً وردَّ مــن الصِّـبا أياما