في سابقة قضائية تعد الأولى من نوعها على مستوى السعودية، أصدرت محكمة المدينة المنورة حكما بالسجن 3 سنوات على سيدة سعودية بتهمة الاتجار بالبشر بعد أن اتهمت بضرب خادمتها الإندونيسيةوتسببها في أضرار بالغة لها.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن المحكمة العامة في المدينة المنورة استندت إلى نصوص دولية، بعد أن قامت العاملة بحلف اليمين أمام ناظر القضية بأن مكفولتها هي من قامت بضربها متسببة بقطع في شفتها.
وأصدر القاضي على المدعى عليها حكما بالحد الأدنى من قوانين الاتجار بالبشر، نظرا لأنها أساءت التصرف مع العاملة باستغلال سلطتها ونفوذها، وهو ما رفضه محامي المدعية وتحرك لتقديم مذكرة لنقض الحكم في محكمة الاستئناف، باعتبار أن الحكم كما يرى لا يمثل القوانين الشرعية، المعمول بها في السعودية حسب الشريعة الإسلامية.
واستغرب أحمد الراشد محامي المدعى عليها في حديث لـ«الشرق الأوسط» عقب صدور الحكم «الحكم بأن السيدة السعودية أساءت التصرف واستغلت نفوذها وسلطتها على الخادمة التي تعمل معها، بالحكم بناء على مواد قانونية في الاتجار بالبشر». مضيفا «هو أمر نطالب فيه بنقض الحكم، باعتبار أن القضية يجب أن تنظر حسب القوانين الشرعية المعمول بها في السعودية، حسب الشريعة الإسلامية، وهذه القضية لا تختلف عن قضية منظورة في السعودية». وأضاف «سأرفع مذكرة لمحكمة الاستئناف، للمطالبة بالنظر في الحكم، إضافة إلى الأخذ بالشهود الذين تم تحديدهم لناظر القضية ولم يأخذ بشهادتهم».
وفي السياق نفسه، اعتبر أحمد زارع المحامي وعضو لجنة المحامي بالغرفة التجارية في جدة «أن الحكم يأتي بناء على معاهدات دولية، والسعودية إحدى تلك الدول الموقعة على تلك المعاهدات ومنها الاتجار بالبشر، واستناد القاضي على نصوص دولية في الحكم أمر لا يخالف الشريعة، باعتبار أن القضية يوجد بها تفصيلات حسب نوع الجريمة، وهذه التهمة تعتبر من بنود الاتجار بالبشر لإساءتها التصرف».
من جهة أخرى علمت «الشرق الأوسط» أن الجلسة التي عقدت أمس وأعلن فيها الحكم هي الجلسة الثانية، حضرها 3 مترجمين وهو أمر يحدث لأول مرة في السعودية، لمطابقة أقوال العاملة، مترجم محايد من قبل المحكمة ومترجم من قبل المدعية وآخر للمدعى عليها.
إلى ذلك أكد شهود عيان أن المتهمة كانت هادئة طوال جلسات القضية، وحضر جميع أفراد أسرتها بداخل المحكمة وخارجها، وعندما نطق القاضي بالحكم أصيبت بصدمة عجزت على أثرها من الوقوف والمشي، في حين لم يتسن لـ«الشرق الأوسط» التحدث معها أو مع أبنائها، لحالتهم النفسية.
إلى ذلك طالب محامي الخادمة وسفارتها في الجلسات السابقة أن يحكم على السيدة السعودية بالحد الأعلى من القوانين الوضعية للاتجار بالبشر والمقدر بـ15 عاما.
وكان محامي المتهمة الراشد قد تحدث لـ«الشرق الأوسط» في وقت سابق أن موكلته بريئة من التهم الموجهة إليها، وهي تهم ضرب الخادمة وتعذيبها، وقال «لدي تقارير طبية تثبت أن الخادمة تعاني أمراضا نفسية، وتوصي بتحويلها لمصحات نفسية حكومية، وهو ما دعا موكلته، إلى إرجاعها لمكتب الاستقدام، واستبدال خادمة أخرى بها، حسب العقد المبرم مع مكتب الاستقدام، والذي يفيد بإمكانية استبدال العاملة أثناء فترة التجربة والمحددة بثلاثة أشهر في حال وجود أعراض تعوقها عن العمل».
وكانت إندونيسيا قد أعلنت عن إيقاف الاستقدام للسعودية بسبب حالة فردية تعرضت لها خادمة، وقوبلت في المملكة باستنكار رسمي من الجهات الحكومية ذات العلاقة، وتم القبض على المتسببة، فيما لا يزال التحقيق معها جاريا تمهيدا لإحالتها للقضاء. بالإضافة إلى الاعتراض الذي أبدته السلطات التشريعية ممثلة في مجلس الشورى على رفع رسوم الاستقدام لـ400 دولار عن كل عاملة، معتبرة ذلك ابتزازا للمواطن في السعودية، داعية إلى البحث عن بدائل جديدة لإندونيسيا.
كشف محمد باجري، رئيس إحدى الشركات المهمة العاملة في مجال توفير العمالة في إندونيسيا، عضو اتحاد العمالة الإندونيسية، لـ«الشرق الأوسط» في وقت سابق، أن الحملة الإعلامية على السعودية بسبب الحالة الفردية لخادمة تعرضت للضرب من قبل كفيلتها في المدينة المنورة تسببت في انخفاض نسبة الاستقدام في الدول العربية بشكل عام ودول الخليج بشكل خاص بنسبة تزيد على 80%.
ووصف باجري هذا الإجراء بـ«الأزمة» لسماسرة الاستقدام في إندونيسيا، حيث كانت تلك الحملات تردد في نشراتها الإعلامية تعرض عاملة منزلية للضرب طوال الشهرين الماضيين، وهو ما تسبب في دفع كثير من مكاتب الاستقدام في البلدان العربية للتوجه لدول أخرى، بعد أن كانت إندونيسيا محط أنظار الأسر العربية، وهو الأمر الذي انعكس على إيجاد فرص عمل كبيرة، إضافة إلى أرباح لـ«السماسرة» في إندونيسيا.
وأوضح باجري أن مكاتب العمالة بدأت صباح أمس في إعادة رسوم التأشيرات المتعثرة لمكاتب الاستقدام في السعودية والتي وصل عددها حاليا إلى 150 ألف تأشيرة عمالية، بعد أن توقفت عن توفير عاملات للسعودية في الوقت الحالي بسبب عدم الاتفاق حول رسوم الأسعار بين اللجنة الوطنية للاستقدام في السعودية واتحاد العمالة الإندونيسية.