لست من مؤيدين نقل المواضيع
ولا اجيدها ولكن هذا الموضوع استفزني وقتل ابليس بداخلي فأحببت ان اشرككم معي بقتل ابليس بداخلكم ان كان له وجود...المووووضوع منقول ;)
** " هل تسمع حكومتنا صراخ أبناء القرى الأردنية ، أم تنتظر أن يقف الشعب كله فوق البنايات الشاهقة وهم يحاولون الانتحار ، لتستنفر أجهزتها حتى يفاوضوا الشعب كي لا يموت ؟ "
** عشرة أشقاء وعيشة ضنكى دفعت "جيهان " لمحاولة الانتحار .. فكم جيهان في هذا البلد
عمون ـ كتب : فايز الفايز ـ هل هناك أقسى وأدمى وأوحش في هذه الحياة من انسان يقتل انسانا آخر ليأكل كبده متلذذا، أو من أم تأكل لحم طفلها الغض ، بينما تجلس رجالات المدينة كلها في حلقة مستديرة يلتهمون الضحية بأعين ضاحكة ؟؟ .. نعم هناك أقسى .. إنهم نحن الذين شبعنا وتركنا غيرنا يموتون جوعا .. إنها " دولتنا " بكل أجهزتها وآباءها وأمهاتها ورجالاتها وهم يتسربلون قطع القماش التي ستكون يوما ما قطرانا على أجسادهم ، حينما أهملوا فئة من الشعب يأكلون الحسرة ، ويشربون لعاب أفواههم ، وهم ينظرون الى غيرهم من سادة الأعمال وسدنة الأموال ، وهم يتوسدون العطايا ، وينامون على أسرّة النـِعم ، ويغتسلون من قوارير العطور الثمينة ، بينما تلك الفئة لا تجد ماءا لتغتسل صباحا ، ولا وسادة مريحة كي ترمي برؤوسها على فراش التعب والحاجة والذل ..
وواحدة من هذه الفئة كانت " جيهان " تلك الفتاة التي أمضت سحابة عصر يوم الجمعة الماضي ، مادة لمشهد تراجيدي تابعتها العيون الغافلة ، والعدسات المتنبهة ، والألسن التي كانت تهتف لها دون ان تعلم ما وراء الأكمة فتداعى الكل ليقبض على مصيرها .. ولم يقـُبض على فاسد واحد !
الجميع تابع وسمع ورأى الفتاة الأردنية ابنة الميت الأردني ، بنت القرية الأردنية وهي تقف بكل شموخ الفقر وعمى اليأس ، على قمة بناية من " بنايات رأس المال الذلّيل " في عمان تحاول أو تهدد بالانتحار .. وآلاف العيون تتابع المشهد ، ولم يخطر ببال أحد إنها فتاة عاقلة راشدة مؤمنة شريفة عفيفة ، قتلتها الحسرة يا عبيد الله ، و هي تنتظر عبدا من عبيد الله الأغنياء المسؤولين ان يمد لها ولعائلتها ولقريتها يد العدل والعدالة ، وان ينصف منطقة " ذيبان " التي ارتوت عمان من مياهها وهي تكاد تموت من الظمأ .. لم يهتم لها أحد من قبل ,, ولن يهتم لها من بعد .. ففرت من جلدِها ، بعدما كلّ جلـَدها وإليكم حكايتها :
انها الطالبة جيهان ، وحسب مصدر مقرب من عائلتها ، فإنها تسكن إحدى القرى التابعة للواء ذيبان من أعمال محافظة مادبا ، أحد أدقع مناطق الأردن فقرا ، وهي فتاة على الرغم من وضعها المعيشي البائس ، متفوقة وحصلت على معدل 73 فرع علمي في الثانوية العامة ، وحصلت على مقعد دراسي بكلية التمريض في جامعة الحسين في معان ، تلك الجامعة التي استنكف المئات من أبناء محافظات الوسط والشمال عن الدراسة فيها .. وهي شابة تتمتع بأحسن الأخلاق والفضيلة والذكاء والتقى ، وصبرت كثيرا كما صبر والدها من قبل ، ولكن كما قلنا من قبل ولم يسمعنا أحد للصبر حد قبل ان ينفجر .. فدفعتها ظروفها المعيشية ، وفقرها ، وحاجتها لأن تعلن ذلك على الهواء مباشرة ، وان تقف بقدميها " فوق الرؤوس " التي كانت تنتظر حتفها ، وكأنها بطلة في برنامج "سوبرستار" الذي كلف الشعب الأردني يوما ملايين الدنانير لنسمع أغنية ليس فيها طعم رغيف الخبز ، ولا رائحة التراب .
والدها متوفى وأسرتها تتكون من اثني عشر فردا قبل وفاة الأب ، خمسة ذكور وخمس أناث والأم ، يعيشون في بيت مستأجر بثمانين دينارا شهريا .. كان والدها واحدا من ألذ الناس معشرا ، وأطيبهم جارا ، وأكرمهم أخلاقا ، وهذا ما يشهد له كل من عرفه هناك في تلك " القارة النائية " التي اسمها ذيبان .. تعرض لحادث سير فبترت قدمه من تحت الركبة .. عمل جاهدا ليعيل أسرته يوما بيوم من خلال عمله في الزراعة ، ثم توجه الى مؤسسة الإقراض الزراعي فحصل بعد لأي على قرض لشراء " تراكتور " زراعي ، ليوفر من خلال عمله عيشة " ضنكى " لأسرته .. ولكن لم تدم الحال كثيرا ، فقد انهارت الحياة الزراعية في منطقة ذيبان ، واعتذر الضنك عن قبول مستوى العيش لتلك الأسرة .
عاد الأب مجاهدا من جديد ، فعمل في وزارة الزراعة " عامل مياومة " ، كعادة الأردنيين الذين صنعوا من عظامهم " قصباً " ليدخن أغنياء المدينة تبغهم الفرجيني والكوبي فيها .. وعمل لفترة وجيزة حتى توفاه الله قبل سنتين ونصف من اليوم .
أوصدت الحياة أبواب الأمل أمام هذه الأسرة ، حتى فتح الجيش العربي نافذة لها ، فالتحق أبنها الأكبر جنديا في القوات المسلحة ، ومن راتبه المتواضع أصبح عشرة أفراد يتقاسمون رغيفهم الذي وفره راتب الجيش .. فاضطرت الأم الى " السفر " نحو صندوق المعونة الوطنية لتشحذ منه حقها وحق أولادها وحق الفقر الذي لم يحس به من يضعون القوانين ويطبقون الأنظمة بأقلام من المال العام .. ولكن الصندوق كالعادة رفض منحهم " الراتب الخيالي بضآلته " وذلك بسبب انتفاع أحد أفراد الأسرة براتب عسكري .. فشدت رحال الإياب الى الأرض اليباب ، جنوب مادبا .
جيهان .. كانت تكافح كي تحصل على شهادتها لتعيل تلك الأسرة .. ولكن كانت رحلة الوصول الى معان تضطرها الى السفر للعاصمة السياسية والحكومية والمالية والدبلوماسية والتنموية والغنية عمان ثم الى معان ، لأن المواصلات بين " برمودا ذيبان " وصحراء معان مقطوعة ، إلا عن طريق جنة عمان ومجمع سفريات الجنوب ، وهذا يكلفها عشرة دنانير في كل رحلة على الأقل دون أكل ولاشرب .. وهذا مبلغ للتذكير يعادل ثمن فنجاني قهوة ندفعها في محلات الترفيه التي نرتادها في عمان ، مما لم ترها أو ترتادها جيهان ولا صويحباتها من بنات تلك القرى الماجدات العاضّات وأهاليهن على لحومهم ، والجمّر ماتت جذوته في قبضاتهم .
جيهان وحسب المصدر المقرّب .. كانت في السنة الثانية في تلك الجامعة ولا تستطيع أن تستمر في حياة " البرزخ " تلك .. ودوار الداخلية هو أحد أبرز الأماكن التي تصدم عينيها خلال رحلتها الجامعية .. وفجأة تذكر الجميع إن يسموّا دوار الداخلية " ميدان جمال عبدالناصر " الميت ، ولم يتذكروا ان هناك فئة من شعبنا تموت فقرا وحاجة وبؤسا في جيب ٍ اسمه مثلث القرى ما بين مأدبا والكرك .. الذي رغم موته حبا بهذا الوطن لم يستطع ان ينال نظرة ودّ من خطط التنمية ومكافحة الفقر والدعم الحكومي لأهله .
كانت جيهان تقول لمن سمعها فوق شاهق المشهد هناك ، وأمام عدسات الصحافة :
{ إحنا أولاد القرى ما يطلعلنا ندرس .. الدراسة لأولاد الأغنياء بس .. إحنا لازم نموت ( ...) وكانت تطلب الحديث الى مسؤول }
.. الصحراء قاحلة ، والصيف قيض حار ، والشمس لاهبة ، والرمال تميز غضبا .. وجيهان ظمأى، تسير عبر الصحراء حافية القدمين ، تتنفس من ثقب الإبرة .. فماذا عساها ان تفعل ؟ ! .. بعد أن أوصلها اليأس الى أن تضيق ذرعا بهذا الفراغ الذي تعيشه كل يوم .. إنها حالة تصفعنا بشدة على وجوه الغفلة التي تغلفنا وتغلف حياة مسؤولينا وحكوماتنا ، تلك الفتاة هي مثال حي لشريحة من المجتمع تمتد من قرى حيي الخزان والشلالة في العقبة الى قرية الشجرة في الشمال ، شريحة يفتح الفقر وضيق ذات اليد ذراعيه متأبطا إياها مرورا بالأغوار الجنوبية والوسطى والشمالية ، ومثلها البادية من جنوبها الى شمالها .. ووزراؤنا ومسئولو دولتنا العاملين والمتقاعدين ونوابنا وأعياننا يهدرون المال على نفقاتهم ويمخرون عباب الشوارع بأفره السيارات ، بينما بنات بلدي وشبابها يمخرون عباب الطريق الصحراوي بحافلات كقطر صعيد مصر ، من فوقهم حديد وتحتهم حديد ، وحديد الرسوم الجامعية المصهور يكوي أيديهم .. والإعفاءات والمنح تذهب الى أبناء أغنياء القوم ، ومسؤولي الدرجة الثانية عن الرعية .
لماذا تستأثر مدينتنا عمان بكل ذلك الترف والمطر الغزير من الإنفاق على مشاريع لا تطعم فقير ، ولا تفيد كبيرا أو صغير .. إلا إن كانت " الأوبرا " ستشهد عزف لحن الرجوع الأخير على أرواح أبناءنا الذين قتلتهم ضرائب البذخ ، واستثمارات الأسمنت ، وعطاءات التنفيع .. أين حصة " جيهان " مما تنفقون ، وتخططون لإنفاقه ؟
أين حزمة الأمان الاجتماعي تلك ؟ أين مذهب التكافل الاجتماعي ؟ أين صناديق الطالب الفقير ؟ من ينتصر للمواطن الفقير الحال ، الضرير الرؤية ، ومن يحميه من زمهرير عواصف الفساد التي استأثر بلقاحها نخيل علية القوم من مواطنين ومسؤولين وقطط أفرطت سمنة على موائدهم ، فمصروف " كبير" واحد منهم يعادل مصروف مئة عائلة فقيرة أو يزيد .. !
جيهان .. كادت أن تموت على يد هذا الوطن .. وظلمت كثيرا ، فكم " جيهان " في هذا البلد النائم في سجن ذنب ٍ لا يعرفه ولم يرتكبه .. فهل تسمع " دولتنا " أنين أبناء الوطن من المسحوقين .. وهل تسمع حكومتنا صراخ أبناء القرى الأردنية ، أم تنتظر أن يقف الشعب كله فوق البنايات الشاهقة وهم يحاولون الانتحار ، لتستنفر أجهزتها حتى " يفاوضوا " الشعب كي لا يموت؟ .. وهل ستنقذه الأقاليم التي ستقلم ما بقي من أمل ؟!
.. هناك رب يسمع ويرى من فوق سبع سماوات .. فهل يسمع الأرباب الذين لا يبعدون عنا سبع خطوات ؟